الأحزاب المغربية

أحزاب القرن 21: 7 تحديات أمام أحزاب الغد

على الأرجح أن الأحزاب السياسية في أزمة.  الانخراط في الأحزاب وإقبال الناخبين ينخفض في جميع أنحاء العالم. وقد أتاح ظهور وسائل التواصل الاجتماعي لحركات المواطنين أن تصبح أكثر سلاسة و يسرا و تأخذا حيزا مهما على حساب المجال الحزبي، مما جعل المؤسسات السياسية الرسمية تكافح من أجل الحفاظ على أهميتها. فالأحزاب السياسية هي جهات فاعلة مركزية في ديمقراطية تمثيلية، ولكنها يجب أن تتكيف مع المناخ الاجتماعي والسياسي المتغير. ولذلك تواجه أحزاب اليوم سبع تحديات كبرى عليها أن تجتازها بنجاح حتى تبقى صالحة للغد.

بفضل التكنولوجيا الحديثة، أصبح العالم يتغير بسرعة بالنسبة لما مضى، و أصبحت المتغيرات المتلاحقة و المتسارعة تربك الأمم. المفكرون يجدون صعوبة في مسايرة التطورات الهائلة التي تعرفها المجتمعات. الدول بكامل أجهزتها و ترساناتها تسارع الزمن لتواكب التغيرات المجتمعية في الداخل و الجيوسياسية في الخارج . و الأحزاب السياسية أصبحت تدرك أن الأحداث تتجاوزها في بعض الأحيان و أن قدراتها التنظيمية و التدبيرية هي عاجزة في بعض الحالات حتى عن فهم ما يجري فبالأحرى عن صياغة المواقف المناسبة و البحث عن الحلول السياسية التي تجيب عن هذه المستجدات.

في هذه الظروف تواجه أحزابنا الوطنية سبع تحديات كبرى ندرج لها فيما يلي.

 الانتقال الديمقراطي

يبقى هم الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية، و بناء المؤسسات بناء متينا هو الهم الأول الذي يجب أن يحمله كل الديمقراطيون بغض النظر عن اختلافات توجهاتهم. بناء الديمقراطية يخدم الأحزاب الوطنية، و النكوص أو التراجع عما تحقق على هذا الدرب فيه تهديد لكل الأحزاب. و هذه مسألة يجب أن تكون من حيث المبدأ من أولويات العمل السياسي تحظى بإجماع الأحزاب يدافع عنها كل حزب من موقعه سواء كان في الأغلبية المسيرة للشأن العام أو في المعارضة أو في المساندة النقدية.

الإنخراط بدل المساندة

تحظى بعض الأحزاب بالمساندة الشعبية في بعض المحطات الانتخابية، و في بعض الأحيان في بعض الدوائر بعينها بفضل ظروف محلية و زمنية معينة. لكن هذه المساندة تكون ظرفية تزول بزوال أسبابها المؤقتة. و الحقيقة أن الأحزاب تحتاج إلى دعم شعبي دائم من طرف المواطنين الذين يتبنون نهجها و برامجها. و هذا الدعم الدائم لا يتحقق إلا بانخراط المناضلين و المناصرين في الحزب انخراطا تاما، و التزامهم بأداء واجباتهم الحزبية باستمرار بغض النظر عن المواسم و  المحطات الانتخابية. و يتجلى هذا الالتزام في أدائهم لواجب الانخراط و حضورهم لمختلف الاجتماعات و التظاهرات التي يدعو لها الحزب و دعمهم لسياساته كل من موقعه و حسب مستطاعه.

إن الانخراط الفعلي هو الذي يعطي للأحزاب كتلة ناخبة قارة، و صورة قوية لدى شركائه السياسيين.

التمثيلية لكل الفئات

قد تدعي الأحزاب في أدبياتها أنها تعبر عن كل فئات الشعب و كل طبقات المجتمع. لكن الممارسة الواقعية تظهر أن الأحزاب تتودد إلى الفئات الهشة و المهمشة خلال المواسم الانتخابية باعتبارها وعاء انتخابيا استراتيجيا و سرعان ما تبعد عنها لما تضع الانتخابات أوزارها. و يبقى خطاب نخب السياسيين في معظمه بعيدا عن هموم طبقات المجتمع الضعيفة. و حتى المناضلون القادمون من هذه الفئات لا تتاح لهم الفرصة ليتقدموا في المسؤوليات الحزبية و يوصلوا صوتهم. و يشهد التاريخ الانتخابي أنه كل ما اقترب حزب معين من الشعب إلا و كافأه في الاستحقاقات الانتخابية بالتصويت عليه، و كلما ابتعد حزب عن هموم الشعب الحقيقية و انشغل بقضايا جانبية إلا عاقبه الشعب بالانصراف عنه.

التغيرات المتسارعة

شهدت السنوات الأخيرة امتحانا حقيقيا أظهر أن معظم الأحزاب لم يكن في جاهزية للتعامل مع الأحداث و المتغيرات المتعاقبة. ابتداء من انتفاضات ما سمي بالربيع العربي و مرورا بالمظاهرات التي تندلع خارج التأطير الحزبي إلى التعاطي مع مختلف الأزمات التي تظهر بشكل مفاجئ هنا و هناك. و الواقع أظهر دهشة الأحزاب أمام الأحداث و ارتباكها و عجزها في الغالب حتى على اتخاذ موقف.

لقد أعطت شبكات التواصل الاجتماعي الفرصة و الوسائل للشباب للتعبير عن قضاياهم و التعبئة من أجلها و كذلك حشد الدعم الجماهيري و تنظيم الاحتجاجات. و هذا ما أفقد الأحزاب جزءا كبيرا من “صلاحياتها” بالنسبة للمواطنين. و بدل أن تغير الأحزاب من استراتيجياتها و طرق اشتغالها بقيت تتصرف بالأسلوب القديم. و هذا ما عبر عنه أحد الباحثين حين قال: “اعتقد أننا نعمل في محيط يعود إلى القرن التاسع عشر باستخدام برامج إيديولوجيات القرن العشرين لمواجهة مشاكل القرن الحادي والعشرين”

التمويل

حسب أرقام المجلس الأعلى للحسابات، تعيش الأحزاب بنسبة كبيرة على دعم الدولة، و تجتهد كي تستجيب لشروط الحصول عن الدعم و تقوم بما يتيح لها ذلك من قبيل تنظيم مؤتمراتها في الوقت و تغطية أكبر عدد ممكن من الدوائر في المحطات الانتخابية و تقديم الحسابات المرفقة بالوثائق في المواعيد المحددة. و هكذا تبقى هذه الأحزاب رهينة بهذا الدعم و معرضة للإفلاس المالي إذا ما منعت منه. التحدي هو أن تجد الأحزاب تمويلها من خلال منخرطيها و داعميها على أساس البرامج التي تعرضها و القضايا التي تدافع عنها.

الشفافية المالية و النجاعة في التدبير

نسمع و نقرأ قصصا على الأنترنيت و في الصحف عن بعض الاختلالات المالية التي تعرفها تدبير ميزانية بعض الأحزاب. و إنه من الغريب أن تتقدم هاته الأحزاب لتأخذ تفويضا انتخابيا من المواطنين من أجل تدبير جماعات محلية و مدن و جهات و ربما تشارك في التدبير الحكومي و هي نفسها تعاني داخليا من خلل على مستوى الحكامة و التسيير و الترشيد و الشفافية المطلوبة أمام الرأي العام.

التنمية

يكاد يقر جميع الفاعلين السياسيين اليوم بتراجع الخطاب الإيديولوجي في البرامج الحزبية و في السياسات المتبعة من طرفها عندما تتولى الشأن العام. و حتى على مستوى التحالفات الانتخابية أو الحكومية أصبح عاديا و جود أحزاب تعبر في الأصل عن تيارات فكرية متناقضة داخل نفس التحالف (التقدم و الاشتراكية و العدالة و التنمية على سبيل المثال). لقد تراجع الاستقطاب الإيديولوجي مقابل التحدي الأبرز بالنسبة للشعب و هو تحقيق التنمية و خلق فرص الشغل و الاستثمار و تحسين المعيشة للمواطنين. هؤلاء ينظرون ماذا يستطيع الحزب أن يقدم لهم من نتائج ملموسة في حياتهم اليومية أكثر مما يهتمون بمرجعيته الفكرية.

أمام هذه التحديات السبعة تحتاج أحزابنا الوطنية أن تغير من نفسها إن هي أرادت أن تبقى فاعلة في مجالها. و هذا التغيير يتطلب منها الإجابة عن كل تحد بالطريقة المناسبة، من خلال الموقف أو الشكل التنظيمي أو الحكامة المطلوبة.

بالنسبة للتنظيم تظهر الحاجة إلى تنظيمات حزبية مرنة و متجددة، سريعة التشكل قادرة على التكيف مع المتغيرات، ما يعني تنظيمات دينامية بدل التنظيم الثابت.

و بالنسبة  للموقف عليها أن تدافع عن الخيار الديمقراطي بكل قوة و أن تتحالف مع الخصوم ضد أعداء الديمقراطية، و أن تنحاز إلى قضايا المواطنين الحقيقية بالقرب منهم و الاستماع إليهم.

و أما بالنسبة للحكامة، فما عليها إلا أن تستنبط من أشكال التدبير المؤسساتي للقطاع الخاص ما يتلاءم مع طبيعتها النضالية بتغيير الأنماط و المصطلحات دون أن تسقط في التسلط الذي قد تنزلق إليه القيادة في أعلى السلم.

و إلى أن نعود إلى هذه النقطة في ورقة قادمة، نحييكم

اترك تعليقاً