في سنة 1999 وُضع أول مخطط لإصلاح التعليم بالمغرب وهو الميثاق الوطني للتربية والتكوين. حينها كان الأمَل معقودا على أنْ يُفضي إلى إصلاح المنظومة التربوية المغربية، خلال السنوات العشر الأولى من الألفية الثالثة، لكنَّ ثمارَ المخطط كانت جدَّ متواضعة.
ثم وُضع مخطط جديد لإخراج المنظومة التربوية المغربية من أزمتها، سمي “المخطط الاستعجالي”. لكن هذا المخطط فشل في إصلاح منظومة التربية، بل الأدهى من ذلك، تحول إلى “فضيحة كبرى”، كشف عنها تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، يبين أن كثيرا من مليارات “المخطط الاستعجالي” صُرفت في غير محلها.
وقبل أربع سنوات في 2015 ظهر إصلاح جديد في المنظومة التربوية المغربية من خلال الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، التي أرسى أسسها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث والعلمي، وبقدر ما تحمل هذه الرؤية كثيرا من آمال إصلاح منظومة التربية والتعليم، تثير المخاوف بأنْ تؤول بدورها إلى الفشل، على غرار المخططات السابقة.
كثيرة هي المؤشرات التي تدل على تردي المستوى التعليمي و فشل المخططات السابقة في إنقاذها وإصلاحها، ولا أحد ينكر هذا في المغرب، من كبار المسؤولين إلى صغارهم.
وأصبح المواطن العادي يعلم أن هذه المنظومة تفسر ما يحل بالبلاد من كوارث بسبب تراجع الكفاءة، وتدني الثقافة وتراجع القيم بشكل عام
فلا عجب إن تغيرت اهتمامات الناس وتوقفت تطلعاتهم. وتفشت مظاهر الميوعة والتفاهة والبلاهة.
انغمس المجتمع في تتبع مسلسل دنيا وأخواتها وصراعاتهم العائلية، فهذه غضبت من حماتها، وهذا اغتصب، وهذا تخاصم مع إخوته. وانشغل آخرون برفع الشأن لمن هب ودب من “نجوم” التفاهة والابتذال.
وسارت وسائل إعلام تائهة في موجتهم فخصصت لهم تغطيات مفصلة: فهنا تزوجوا وهنا أقاموا عرسا وهنا ركبوا هودجا، وهنا رقصوا رقصة غريبة، وهنا قاموا بحركة بلهاء. والناس منشغلون، يشاهدون ويرسلون إلى أحباهم الفيديوهات ويستمتعون.
ووسط هذا المشهد السوريالي العبثي، يظهر أطفال في عمر الزهور وكأنهم قادمون من كوكب آخر، بملامح جدية ، نشم فيهم عبق المستقبل:
مريم تذهب إلى دبي وتعود متوجة بجائزة بطل تحدي القراءة بعد أن أبهرت الكل بفصاحتها وبيانها وتمكنها من اللغة العربية.
ويظهر إيدر مطيع ذو الأحد عشر عاما وهو يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويتعلم الألمانية ويتقن عدة لغات في برمجيات الكمبيوتر أيضا. كل هذا تعلمه بشكل عصامي ويؤديه بتلقائية تنم عن ذكاء حاد.
وظهر قبلهما أسامة وعبد الرحمان وعبد الجليل وآخرون يشاركون في مسابقات القرآن فيحصدون معظم الجوائز ويبكون كبار المشايخ.
هما إذن خطان متوازيان لا يلتقيان
مخططات تعليمية فاشلة تبددت فيها الأموال ولم تنشئ لنا الجيل القادر على النهوض بالبلاد،
وأطفال استثنائيون تخلصوا من سوء المخطط وفساد القائمين بفضل حرص أسرهم ليبقوا الأمل عندنا قائما
ولهم نقول ما قال الشاعر نزار قباني
لا تعودوا لكتاباتنا ولا تقرؤونا..
نحن آباؤكم، فلا تشبهونا..
فكونوا على الشفاه
لحونا..
أمطرونا بطولة وشموخا
واغسلونا من قبحنا
اغسلونا..