القائمة إغلاق

أدوات الأعمال في خدمة السياسة: التسويق السياسي

 

 

دراسة السوق، تحليل البيانات، العلامة التجارية، فنون البيع، كل هذه مصطلحات ألفناها في مجال التجارة من أجل تسويق المنتجات للزبناء و العملاء. ماذا لو حلت محلها  دراسة الميدان و العلامة الحزبية و فنون الاستقطاب و التواصل الحزبي في الحقل السياسي و استعملت على غرار التجارة في التسويق السياسي من أجل الترويج للحزب أو القائد أو المرشح أو حتى للرؤية حول قضية معينة؟ المقال التالي يعرفنا بمفهوم التسويق السياسي و آليات استعماله من طرف المؤسسات السياسية.

التسويق السياسي جزء أساسي من الحياة السياسية. الملوك و رؤساء الجمهوريات ورؤساء الوزراء؛ والسياسيون والأحزاب؛ الدوائر والمجالس الحكومية تستخدم التسويق في سعيها لتحقيق أهداف سياسية. يتم استخدام أبحاث السوق، عند اتخاذ القرار بشأن السياسات وتصميم البرامج، لفهم ما يخدم الناس والسعي للحصول على أصوات عبر الاستجابة لرغباتهم وحاجاتهم. يساعد تصنيف الناخبين في فئات على إنشاء شرائح جديدة لاستهدافها. كما أن وضع إستراتيجية خلق العلامة السياسية والتحليلات والاختبارات التجريبية وحبكة رسائل الاتصال لهيأة سياسية معينة يندرج في إطار بلورة رؤية جذابة توجه أولا للتسويق الداخلي من أجل توفير مشاركة المتطوعين. كما يهدف إلى جلب المتعاطفين وتساعد على إحراز تقدم نوعي وقت الانتخابات أو الشروع في تنفيذ برنامج.

الأبحاث الميدانية

تتضمن أبحاث “السوق” السياسية طائفة واسعة من الأساليب النوعية والكمية الرسمية وغير الرسمية للمرشحين والأحزاب والحكومات لفهم طبيعة الحقل السياسي. وتستخدم أبحاث السوق هذه لفهم مواقف وسلوك واحتياجات ورغبات الجمهور وأصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين. و من خلال ذلك الفهم يتم تبليغ القرارات المتعلقة بالإستراتيجية وخلق العلامة الحزبية و بلورة السياسات والتسويق السياسي الداخلي لها داخل المنظمات الرئيسية و الموازية وكذلك تبليغ المواقف بهدف الإقناع، سواء بالتغيير أو بتعزيز وجهات النظر القائمة. وتشمل أبحاث السوق السياسية أشكالا متنوعة من البحوث مثل الاقتراع، والدراسات الاستقصائية، والتصنيف (بما في ذلك تحديد هوية الناخبين)، والبيانات الضخمة (التسويق التحليلي والتجريبي)؛ والأشكال النوعية مثل مجموعات التأثير، والإبداع المشترك والبحوث التداولية؛ وإيجاد المرشحين واقتراح الحلول السياسية و تحليل خطاب المنافسين ؛ والأدوات غير الرسمية بما في ذلك نقل المعارف و الخبرات واستخدام السجلات والبيانات العمومية.

العلامة السياسية

لا يجب أن نخطئ في اختزال العلامة السياسية في رمز الحزب أو الهيأة، فالعلامة “الحزبية” السياسية تدور حول الطريقة التي ينظر بها الجمهور أو الفرد إلى التنظيم السياسي. هي أوسع من “الأداء السياسي”؛ في حين أن هذا الأخير لديه أجزاء وظيفية متميزة مثل المناضل السياسي والسياسة المتبعة، فإن العلامة السياسية غير ملموسة بل تشكلها مجموعة من المشاعرالنفسية. ويمكن تعريف العلامة السياسية بالشعور أو الانطباع أو الانتماء أو الصورة التي يمتلكها الجمهور تجاه سياسي أو تنظيم سياسي أو هيأة. وتساعد العلامات السياسية الحزب أو المرشح على المساعدة في تغيير أو الحفاظ على السمعة والدعم، وخلق شعور بالهوية مع الحزب أو مرشحيه، وخلق علاقة ثقة بين النخب السياسية والناخبين. و تساعد هؤلاء على الفهم بسرعة أكبر ما هو حزب أو مرشح. والتمييز بينه و بين مرشح أو حزب منافس. و هكذا قد تجد مرشحا غير معروف نسبيا في دائرة معينة يفوز بمقعد بفضل إشعاع العلامة السياسية للحزب الذي زكاه في هذه الدائرة الانتخابية.

و ندرج أمثلة لقوة العلامة السياسية في توجيه الناخبين:.

بالنسبة للقادة السياسيين، كان رجب طيب أردوغان في 2001 علامة سياسية بفضل نجاحه في تسيير مدينة إسطنبول، و حتى قبل أن يؤسس حزب العدالة و التنمية، أعطته استطلاعات الرأي احتمال حصوله على ثلث الأصوات في الانتخابات الموالية.

أما بالنسبة للمرشحين، فقد تابعنا كيف كون دونالد ترامب سنة 2016 بإسمه علامة سياسية خارج الحزب الجمهوري الذي ترشح بألوانه.

و بالفعل تظهر قيمة العلامة السياسية للأشخاص بقوة في الانتخابات الرئاسية. فقد تجد حزبا سياسيا متواجدا بقوة على الصعيد المحلي و البرلماني لكنه يفتقد لمرشح رئاسي ذي علامة سياسية متميزة مما يجعله يخسر الانتخابات الرئاسية أمام مرشح حزب منافس أقل تواجدا على الساحة.

و بالمقابل قد يصل مرشح إلى البرلمان بفضل العلامة السياسية للحزب الذي ترشح باسمه بغض النظر عن مدى قوة إقناعه هو مقارنة مع منافسيه.

و تستعمل العلامة السياسية كذلك من أجل الترويج للبرامج الحكومية أو لمدينة (حملة الدار البيضاء نموذجا) أو للدولة برمتها (سنغفورة).

التسويق السياسي الداخلي

يعنى التسويق السياسي الداخلي بتنظيم التسويق السياسي وسط هياكل المكاتب الفرعية و الجهوية في الأحزاب وخلال الحملات وتنظيمها وتوفير الموارد لها. ويستهدف كذلك نواب البرلمان أو أعضاء الحكومة المنتمين للحزب.  كما يعنى بتنظيم وإشراك المتطوعين والأعضاء في الميدان. ومن وظائف التسويق الداخلي أيضا تغيير الشعارات والعلامات السياسية و الترويج لها بين المنخرطين. إذا كان التسويق السياسي الداخلي غير فعال فإنه يعيق استراتيجيات التسويق السياسي الخارجي وجهود ترسيخ العلامة السياسية و سياسات التواصل. ويضمن النشاط الداخلي الناجح أن يصبح المتطوعون ناشطين فاعلين في الحزب وأن يظلوا كذلك؛ ويحفز الجهات المانحة على المزيد من الدعم؛ ويضمن التحاق الكفاءات المناسبة في المكان المناسب. وفي حال انخراط الحزب في توجهات جديدة، فإن التسويق الداخلي يعمل على إقناع الصف الداخلي بالعلامة الحزبية الجديدة و والامتثال لها حتى لو أحدثت تغيرات عميقة في المعتقدات التقليدية للحزب. ويشمل التسويق السياسي الداخلي فهم مطالب المتطوعين، وبناء المنظمة حولها، والتواصل مع الأعضاء، واعتبار المتطوعين بوصفهم مسوقين سياسيين مؤقتين؛ و دعم وحدة الحزب؛ وتسويق العلاقات خلال الحملات الانتخابية؛ و جمع التبرعات؛ وإدارة موظفي التسويق السياسي والموارد المخصصة له..

تظهر قيمة التسويق الداخلي وقت الانتصارات لكنه يصبح أكثر أهمية وقت الأزمات. و لقد تابعنا كيف أخفق حزب العدالة و التنمية، خلال أزمة تشكيل الحكومة، في التسويق السياسي الداخلي لقبوله بشروط تشكيل حكومة العثماني و كيف ظهرت أصوات من القيادات تستنكر هذا التوجه.

تسويق الرؤى

أبرز نموذج لتسويق الرؤى هو حملة رئيس الوزراء الماليزي الأسبق محمد مهاتير للترويج لرؤيته “ماليزيا 2020” (تنطق بالإنجليزية رؤية عشرين عشرين). فقد ألف لها كتابا ثم أسقط كل محتويات الرؤية على كل القنوات التسويقية في الداخل ابتداء من المدارس و مرورا بالإدارات المختلفة إلى كل فئات الشعب. و كان مقياس نجاح التسويق هو أن يستطيع كل مواطن ماليزي أن يعبر عما تعنيه رؤية عشرين عشرين بالنسبة إليه. و قد نجحت هذه الحملة ليس في حشد الدعم الشعبي فحسب، بل في تبني المواطنين لتلك الرؤية.

و في المغرب نجح حزب العدالة و التنمية سنة 2011 في التسويق لرؤيته: ” الإصلاح في ظل الاستقرار” التي حظيت بتأييد من مختلف الأطراف و من الناخبين.

قنوات التواصل

تستخدم المنظمات السياسية والسياسيين القنوات التسويقية في كل وقت لتحقيق مجموعة واسعة من الأهداف، بما في ذلك تحسين سمعة الحكومة، وإطلاق علامة سياسية جديدة، وتوصيل رسالة، ومكافحة الهجمات السلبية من المعارضة، وتوعية الناخبين، ووضع قضية على وجدول الأعمال، وزيادة الدعم لسياسي أ ولسياسة معينة. التسويق يساعد على التأكد من أن السياسيين فهموا مع من، متى، وكيف أن يجب أن يتواصلوا، بمعنى أن التواصل يندرج في الإستراتيجية التسويقية العامة من خلال تقنيات  التواصل المندفع  (ما ينتقل من التنظيم السياسي أو شخصية سياسية إلى الجمهور) أو التواصل الجاذب (ما يثير انتباه الجمهور و يجذبه للإطلاع على مضمون الخطاب).

و تتنوع التقنيات حسب ظروف استعمالها. ابتداء من استعمال الرصيد السياسي للقائد أو المرشح و مهاراته إلى استعمال الإشهار عبر قنوات الإعلام المختلفة. و رأينا حزب التجمع الوطني للأحرار ينشر إشهاره على صحف الجرائد خلال حملة الانتخابات التشريعية الأخيرة.

غير أن الجديد هو دخول قنوات تواصل تفاعلية لمجال التسويق السياسي بفضل شبكات التواصل الاجتماعي. فهذه الأخيرة زيادة على ميزتها في الاستهداف المباشر و الشخصي و إمكانية استخدامها في أي وقت، فإنها ذات ميزة أكثر أهمية وهي تفاعل المستهدفين بالخطاب السياسي حيث تتيح هذه القنوات للمتلقي إمكانية التعليق و الرد و الاقتراح.

و لقد تميزت حملات أوباما الأولى و الثانية بتفوقه على منافسيه في هذا المجال، إذ عين مدير حملة خاص بالتسويق الإلكتروني. و يستعمل حزب بوديموس الإسباني التسويق عبر الشبكات الاجتماعية لجمع التبرعات لتمويل الحملات. وتتميز حملة مرشح الرئاسة الفرنسي ماكرون كذلك بحسن استغلالها لهذه القنوات.

لقد أعطى التسويق التجاري دفعا هائلا للشركات التجارية مكنها من زيادة حجم المعاملات و ارتفاع أسهمها و لا نشك أن التسويق السياسي سيعطي الأحزاب و الهيئات السياسية قوة هامة تمكنها من استقطاب المزيد من المنخرطين و الداعمين و ارتفاع تمثيليتها إن هي أحسنت في استخدامه.

Garanti sans virus. www.avast.com

اترك تعليقاً